إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه logo إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
shape
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
101844 مشاهدة print word pdf
line-top
مسألة عدم التثبت من مرويات القصاص

...............................................................................


وأما القصص التي ذكرت عنه فيما ورد في مبدأ أمره فتلك يغلب أنها من مقالات القصاص التي يذكرونها في قصصهم، والغالب أنها ليست ثابتة.
وذلك لأن هناك قصاص؛ يعني وعاظ يذكرون قصصا طويلة، والغالب أنهم يصورونها أو يتخيلون شيئا فيجعلون له صورة ويجعلون له مثالا، ثم يسردون قصة طويلة؛ بحيث أن الناس يصغون إليها ويتعجبون منها، وهي خيالية ليست صحيحة؛ ولأجل ذلك كانوا يقولون هذه من أحاديث القصاص؛ أي من قصص الوعاظ الذين يقفون في المجتمعات يعني في المساجد أو في الأسواق التي يجتمع الناس فيها، فيتكلم أحدهم إما ارتجالا من حفظه وإما يكتب قصة في ورقة، ثم بعد ذلك يتكلم؛ يقرؤها ويخشع الناس ويظنون أنها واقعية وأنها قصة حقيقية.
ثم أكثر هذه الروايات التي سمعنا من قصص الإسرائيليات التي ينقلها بعض من أسلم من أهل الكتاب من اليهود، ينقلونها عن كتب بني إسرائيل؛ أمثال كعب الأحبار ووهب بن منبه وغيرهم، وكان الصحابة والتابعون يثقون بهم؛ وذلك لأنهم من المسلمين الذين تركوا ديانات قومهم كاليهودية ودخلوا في الإسلام طوعا بدون اختيار، وكان عندهم مؤلفات وكتب قديمة من كتب أحبار اليهود ورهبان النصارى ولكنها ليست موثوقة.
بل الغالب أنها محرفة، أو أن أكثر ما فيها ليس بصحيح، وإنما هو من افتراء أولئك الأحبار ونحوهم وزياداتهم كتبوها كتسلية لمن يقرؤها، فكان هؤلاء الذين منهم هؤلاء الأحبار يقرءونها على المسلمين قراءة مطولة، ومنهم من يكتبها على أنها موثوق بها ومنهم من يحفظها، ذكروا مثل ذلك كثيرا، المحققون يعرضون عنها، ولكن الكثير من المفسرين يصدقون بها ويقصونها.
وقد أكثر منها المفسر المشهور ابن جرير في تفسيره، وكذلك البغوي صاحب التفسير، وكذلك الثعلبي في تفسير له أيضا، وغيرهم من الذين يأخذون ما وجدوا، فيذكرون منها كثيرا في هذه القصة التي هي قصة ذي القرنين .
وكذلك في قصة أصحاب الكهف، فقد أوردوا فيهم قصصا طويلة قد تبلغ عشر صفحات أو أكثر، وكذلك قصة هاروت وماروت ذكروا أيضا فيها كثيرا من الإسرائيليات، وكذلك قصة طالوت وجالوت وقتال طالوت لجالوت وقتل داود له قصة أجملت في القرآن، وفيما ذكر في القرآن وضوح.
ثم جاء هؤلاء الذين ينقلون عن كتب بني إسرائيل، فأوغلوا في ذكر القصة وتوسعوا فيها مما إذا سمعه العاقل يعرف أنه لا حقيقة له، وأنه من جملة أساطير الأولين التي يسطرونها، ثم يأتي من بعدهم ويظن أنها حق وأنها واقعية فيصدق بها، وكذلك أيضا في قصص الأنبياء كقصة نوح وقصة عاد وقصة إبراهيم .
وهكذا أيضا كثير منها قد يكون غير ثابت، قد يكون فيه طعن في الأنبياء؛ طعنوا في قصة داود والذين دخلوا عليه، وقالوا، أو قال بعضهم لبعض فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ .

line-bottom